![]() |
إعداد / عطية ابو خاطر |
ولد (تيد باندي) في الرابع
والعشرين من شهر نوفمبر من عام 1946، وانتقل وهو في الرابعة من عمره ليعيش مع أخته
الكبرى في واشنطن عند بعض الأقارب، وهناك تزوجت أخته من شاب يدعى جوني باندي
وأنجبت منه أربعة أطفال صاروا عبئاً على تيد وشكلوا بداية حياته المأساوية .. فما
كان الصغير يعود من المدرسة حتى كان يأخذ دور الحاضنة والممرضة لأخوته، وعلى الرغم
من محاولات زوج الأخت الكثيرة لتربية تيد وإعطائه الإحساس بأنه أحد أبنائه إلا أنه
فشل في ذلك تماماً .
فقد كانت لـ تيد أفكار مختلفة عن
نفسه، ودائماً ما اعتبر نفسه إنساناً استثنائياً، الرجل الوحيد الذي أحبه هذا
الولد هو جده فقد كان يحترمه بشدة وشعر بحزن شديد عندما انتقلت أخته الكبرى بعيداً
عن منزل جده .
ولو أردنا الحديث عن مراهقته فقد
كان تيد خجولاً للغاية، وكان يتعرض لمضايقات زملائه بكثرة .. كما أنّه كان طالباً
متفوقاً، وقد حافظ على معدله العالي بعد إنهاء دراسته الثانوية ودخوله إلى الجامعة
.
ولكنه في الكلية تغير تماماً حسب
شهادة زملائه يقول أحد أصدقاؤه لاحقاً بأنّه قد أصبحت لـ تيد شعبية بين الطلبة على
الرغم من خجله .. وقد عرف بينهم بالأناقة والسلوك المهذب اللطيف ولم يكن يهتم بالفتيات
قط .. بل انشغل عنهن برياضة التزحلق والاطلاع على السياسة وأحد أسباب ذلك - حسب
قوله - هو انشغال والدته عنه بالصغار وقد قال :
" لم نكن نتحدث كثيراً عن
الأمور الشخصية، وطبعاً لم نتحدث بتاتاً عن الجنس أو أي شيء من هذا القبيل، فقد
كانت أمي رهيبة للغاية عندما تتحدث عن الأمور الحميمية ".
في عام 1969 قدّم القدر لطمة قوية
لتيد أثرت كثيراً في حياته، فقد عرف أن من كان يعتقد أنها أخته هي في الحقيقة أمه،
ولكنها اقنعته بأنها أخته لأنه كان ابناً غير شرعي لها، ولم ترغب بإثارة زوجها
جوني المخدوع هو الآخر بالأمر .
مما جعل تيد يصاب بصدمة ونكسة غيرت
حياته بأكملها .. لم يتغير موقفه من أخته
أو بالأحرى والدته ولكنه صار فظاً وبذيئاً مع زوجها جوني وبالطبع لا نستطيع أن نصف
شعوره .. صعب للغاية أن تعرف أنك خدعت طوال حياتك .. وممن ؟ .. من أقرب الناس إليك
.. ومن بعدها تغيرت نظرة الآخرين له إذ صار بنظرهم شخصاً حقيراً، وقد تحولت شخصيته
من الخجول المنطوي على نفسه إلى القوي المندفع، فقام بالتسجيل بجامعة واشنطن حيث
درس علم النفس وتفوق بهذا التخصص وسجل اسمه على لائحة الشرف وقارعت عبقريته
أساتذته .. وتعرف في الكلية على (اليزابيث كيندال) التي نشرت لاحقاً كتاباً باسم (حياتي
مع تيد باندي) حيث عاشت معه خمس سنوات وهي تعمل كسكرتيره .
بدأت حياة تيد في الإجرام عام
1974 مع فتاة اسمها (ليندا آن) التي كانت بارعة الجمال متألقة، تتصف بطول القامة
والرشاقة، خرجت في شهر يناير من نفس العام للعشاء مع صديقاتها في حانة مشهورة
لطلاب الجامعة، ولم تقض وقتاً طويلاً هناك، فسرعان ما قررت أن ترجع إلى الشقة حتى
تشاهد بعض برامج التلفاز وتكلم حبيبها بالهاتف وبعد ذلك توجهت للفراش .
وفي تلك الليلة وصلت بعض الضوضاء
الصادرة من غرفتها إلى مسامع شريكتها بالسكن .
كان على ليندا أن تصحوا يومياً في
الخامسة والنصف صباحاً حتى تذهب إلى عملها في محطة الإذاعة، وقد اعتادت شريكتها
بالسكن أن تصحو من نومها على صوت المنبه الخاص بـ ليندا، ولكنها لم تعتد أن يستمر
رنين المنبه لفترة طويلة .. لهذا السبب دخلت إلى غرفة ليندا لايقاظها .. ولكنها
وجدت السرير خالياً ومرتباً فاعتقدت أنها خرجت باكرا ً.
وأثناء عودتها إلى غرفتها بعد
إيقاف رنين المنبه رن الهاتف، وعندما أجابت كان معها على الخط أحد زملاء ليندا
يستفسر عنها فقد تأخرت عن العمل وهنا بدأ الشك يتسلل إلى قلب شريكة ليندا في السكن
.
وفي ظهر نفس اليوم ورد اتصال آخر،
وكان هذه المرة من والدي ليندا يسألونها عن سبب عدم مجيء ابنتهم إلى البيت كما
اتفقا معها .. لذا بدأ القلق ينتاب الجميع وبدأت الاتصالات والتساؤلات ..
يا ترى أين اختفت ليندا ؟
اتصل والد ليندا بالشرطة، وبدأت
التحقيقات على الفور، وكانت الواجهة الأولى للبحث هي غرفة نومها، لعلهم يجدون
أثراً يدل عليها .. وبالفعل دخلت الشرطة غرفتها فوجدوها مرتبة بطريقة مثيرة للريبة
.
كان من الغريب أن يرتب سرير ليندا
بشكل لم ترتبه من قبل فقد اختلف الشكل المعتاد لأغطية السرير، كما كانت هناك أغطية
ناقصة. وبالتدقيق تمّ العثور على بقعة دم فوق وسادتها والفراش المغطى وعلى ملابس
نومها المعلقة بجانب بقية الثياب كما كان الباب الذي كانت تحرص على اغلاقه مفتوحاً
على غير العادة .. لقد اعتقد رجال الشرطة بأنها ليست ضحية جريمة مخطط لها بإحكام
وتوصلوا إلى مشهد تخيلوا فيه ما حدث قبل اختفاء الضحية ..
تصوروا أن هناك من اقتحم البيت
عنوه وقام بقتلها قبل أن يعلق رداء نومها بحذر، ثمّ يرتب أغطية السرير وحملها
بالأغطية القديمة خارج الشقة بهدوء .
وبالبحث أكثر .. تبين أن اختفاءها
كان شبيهاً لحالات اختفاء كثيرة في المنطقة، فقد كن كل الضحايا يشتركن بمواصفات
ثابته، مثل كونهن نحيفات وذوات بشرة بيضاء .. عازبات .. شعرهن طويل نسبياً وجميعهن
اختفين ليلاً .
فبدأ التحقيق في الجامعة، حيث شهد
بعض الطلبة أنهم لاحظوا شاباً غريباً مضمد اليد يحمل معه عدة كتب، ويطلب من
الفتيات اللواتي يتواجدن بالقرب منه المساعدة .. وأضاف البعض أنهم قد لاحظوا في مخيم
الجامعة نفس الشاب الغريب ذي اليد المضمدة يمتلك سيارة من نوع (فولكس واغن) ويطلب
المساعدة لأن سيارته لا تعمل .
وفي أكتوبر من عام 1974 وبالقرب
من بحيرة واشنطن، تمّ العثور على بقايا ضحيتين جديدتين (جاينس أوت) و(دينيس
ناسلوند)، كانت البقايا مكونة من جمجمتين وخمسة عظام بالإضافة إلى خصل شعر ملونة
وعثر في نفس العام على أخريات منهن (ميليسا سميث) و(لورا ايمي) .
وفي نهاية العام سالف الذكر، أخذت
تصرفات تيد تصطبغ بالتهور، وذلك حين بدأ لا يهتم كثيراً بالأدلة ففي الثامن من
نوفمبر اقترب من فتاة في الثامنة عشرة من العمر (كارول دارونتش) في المكتبة
وأخبرها أنه قد شاهد أحدهم يحاول تحطيم سيارتها فطلب منها أن ترافقه إلى مواقف السيارات
حتى يتأكدا من الأمر .

وبعد قليل توقف بمكان خال من
المارة ليضع الاصفاد بيد كارول فبدأت بالصراخ لعل هناك من ينقذها ولكن بدا أنه
اختار المنطقة بعناية فلم يسمعها أحد .. وأخرج تيد عصا ضخمة اراد استخدامها لقتل
كارول ولكنها استطاعت توجيه ضربة له بكلتي يديها قبل أن تفر خارج السيارة وبالفعل
كانت أول ضحية تستطيع الفرار من يد الشيطان تيد وذهبت من فورها إلى مركز الشرطة
لتخبرهم بكل شيء .
ولكن رجال الشرطة فشلوا في العثور
على اي دليل يقودهم إلى إدانة هذا القاتل المهووس .. واثناء بحثهم تم العثور على
خمس جثث اخرى في كولارادو .
في السادس عشر من اغسطس من عام
1975 اتخذت القصة منحى خطيراً فبينما كان الضابط (بوب هايوورد) في فترة عمله لاحظ
سيارة المشتبه به تمر من أمامه وبما أنه يعرف كل الجيران واصدقائهم فقد تذكر جيداً
أنه لم يلحظ هذه السيارة الفولكس أبدا ً.. لذا قام بملاحقتها على الفور حتى توقفت
أخيراً في محطة الوقود فتبعه الشرطي وطلب منه رخصة القيادة ليجد أنها مسجلة باسم
ثيودور روبرت باندي وقام بتفتيش السيارة فعثر على (اصفاد - ملقط ثلج - عتلة - قناع
يستخدم عند التزلج - حبل - أسلاك) لذا قبض عليه بتهمة الاشتباه بالسطو .
وبدأت التحقيقات والاستجوابات
خاصة بعدما ربط رجال الشرطة بينه وبين الرجل الذي حاول قتل كارول دارونتش بناء على
أن الأصفاد كانت من النوع نفسه هذا بالإضافة إلى اوصاف السيارة وفي الثاني من
أكتوبر عام 1975 عرض تيد مع سبعة رجال آخرين على كارول في طابور عرض المشتبه بهم
فتعرفت عليه هلى الفور وقالت بأنه نفس الرجل الذي حاول قتلها ولكن الشرطة عجزت
تماماً عن العثور على دليل يثبت قتله لجميع الضحايا .
وفي الثالث والعشرين من فبراير
عام 1976 كان موعد محاكمة تيد بتهمة اختطاف كارول دارونتش قد بدا عليه الارتياح
والاسترخاء، وكان واثقاً بأنّ القضاء سيجده بريئاً من التهمة الموجهة اليه .. فقد
آمن بأنه لا دليل قوي يدينه، ولكنه كان على خطأ فعندما اعتلت الأخيرة منصة الشهادة
أخبرت الجميع بأنها كانت تعاني لستة عشر شهراً من جراء فعلته الشنيعة ولكن تيد
أنكر معرفته بها تماماً .
وبعد يومين ظهر حكم هيئة المحلفين
:
"مذنب بالإختطاف وتشكيل خطر
على حياة الضحية"
وحكم بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً ..
وبالفعل تم سجن تيد باندي واثناء
الحبس خضع للتقييم النفسي، ويقال ان التقييم اثبت بأن باندي لا يشكو من الذهان ولا
العصاب ولا يعاني من اي خلل أو مرض عقلي، كما لم يكن سكيراً أو مدمن مخدرات، ولم
يكن يعاني من اي اضطراب أو مرض وراثي أو فقدان الذاكرة أو الانحراف الجنسي، واضاف
الطبيب النفسي إلى تقريره أن تيد يعتمد بشكل أساسي على النساء وأنه يرتاب بشدة من
أن يتم إذلاله أو أن يشعر بالخزي بعلاقاته العاطفية .

واثناء حبسه استمرت تحقيقات
الشرطة سعياً للحصول على دليل يقودهم إلى أن يكون تيد قد قتل كارين كامبل وميليسا
سميث ولم يعلم المجرم ان هناك الكثير من المفاجآت تنتظره وراء القضبان فقد عثر
رجال الشرطة بداخل سيارته على شعيرات كثيرة اثبتت تحاليل الـ أف بي آي FBI أنها تعود إلى كارين وميليسا .. وبأن الضربة
التي تلقتها جمجمة الأولة تطابق الأثر الموجود على العتلة التي وجدت في سيارة
المجرم وهذا يعني أنها نفس الأداة .
في أبريل عام 1977 أقدم تيد على
خطوة غريبة .. فعندما قررت المحكمة مواجهته بجريمة قتل كارين كامبل قام بفصل
محاميه وقرر الدفاع عن نفسه شخصياً .

وسارعت الشرطة بتطويق المدينة
وأقامت نقاط تفتيش متفرقة واستخدمت فيها العديد من الكلاب المدربة ومجموعة ضخمة
للبحث وبالفعل استطاعت الشرطة القبض عليه مرة اخرى خلال أيام قليلة من هروبه ولكن
تيد لم يستسلم ..
وفي حادثة لا تقل إثارة عن
سابقاتها و بعد سبعة أشهر نجح تيد في الهرب مجدداً مستخدماً خطة ذكية ..
فقد قام بالزحف إلى أو وصل إلى
جزء آخر من المبنى واختبأ في خزانات المساجين و انتظر إلى أن تأكد من خلو المكان
ثمّ خرج من الباب إلى الحرية .. ولم يعرف بأمر اختفائه إلا بعد خمس عشرة ساعة، حين
كان تيد في طريقه إلى فلوريدا .. ولم تمض سوى ايام قليلة حتى عاد تيد إلى نشاطه
الإجرامي وهو ما يثبت لنا بالدليل القاطع بأنه كان يعاني فعلاً من مشاكل نفسية رغم
ذكائه، فقد كان من المفترض أن لا يعاود النشاط الإجرامي في هذه الظروف، ولكنه أقدم
بالفعل على قتل كل من (ليزا
ليفي) بعد أن اعتدى عليها جنسياً و (مارغريت
بومان)
التي ترك بعد قتلها كما كبيراً من الأدلة التي تدل عليه فتم القبض عليه فوراً بعد
هذه الحادثة من جديد .
في يناير 1980 تمت محاكمة تيد من
جديد وحاول الدفاع عن نفسه في الجلسة الاولى ولكنه فشل فشلاً ذريعاً في ذلك فقام بتوكيل المحاميين (جوليس
أفريكانو) و (لين ثومبسون)، والذي حاولا إثبات جنون تيد ولكنهما فشلا في ذلك، مما
جعله يوكل فريقاً كاملاً من المحامين، إلا أنهم فشلوا ايضاً في تحسين موقفه وتم
الحكم عليه بالإعدام بالكرسي الكهربائي .. والغريب في الأمر أنه بعد صدور الحكم، بدأ تيد يعترف بجرائمه وقال
بأنه يحتفظ بعدد لا بأس به من رؤوس الضحايا في بيته كتذكارات و أنه ينجذب لجثث
ضحاياه .. واعتبرته الشرطة أكثر السفاحين من حيث عدد الضحايا وفي الرابع والعشرين
من يناير عام 1989 أعدم الوحش البشري الذي ارعب أمريكا كلها .
إرسال تعليق
شارك بالنقاش عبر كتابة تعليقك