![]() |
بقلم / عطية ابو خاطر |
لقد
تركت الاساطير الاغريقية اثراً هائلاً على الفكر الانسانى عامة لا يختلف فى شئ عما
تركته (الف ليلة وليلة) .. لكن تعبير (صندوق باندورا) قد حفر فى الاذهان وفى عوالم
الادب الى حد غير مسبوق، وصار رمزاً الى المشاكل النائمة التى يفضل تركها كذلك،
فقد يدفعك الفضول البشرى الى اقتحامها فتجلب علي نفسك مشاكل واهوال لا حصر لها .
وصار (بروميثيوس) مسئولا ً عن الارض،
وقرر ان يعلم الانسان اشياء كثيرة .. بل ان حماسه لهذا جعله يخرق الكثير من قواعد
(الاوليمب) - مقر الالهة الاغريقية - الصارمة، مما اثار عليه غضب (سادة الاوليمب) ..
ولكن (زيوس) بصفته الكبير قرر ان يتساهل معه وان يمنحه فرصة اخيرة كى يعود الى
صوابه .
لكن هذا لم يحدث فقد تجاوز (بروميثيوس) كل الحدود،
وذلك لان هناك نوع واحد من المعرفة يهمه بشكل خاص ان يصل الى البشر وهى ..
(النار) ..
إن النار اعظم اكتشاف فى تاريخ
البشرية على الاطلاق .. وبفضلها استطاع الانسان ان يجد الوقت والامن والشبع والدفء
الكافى للوصول لباقى ما عرفه .. وقد صاغت الاساطير الاغريقية قصة اكتشاف النار على
طريقتها الخاصة في رواية تراجيدية ممتعة كالعادة .
وتروي الاسطورة ان النار الوحيدة في
الكون كانت موجودة فى جبل الاوليمب.. و كان يمنع نقلها الى البشر او تعليمهم كيفية
اشعالها .. وقد كان في ذلك في غاية الانانية والقسوة المفرطة من جانب الاوليمبيون
.. ولذلك قرر بطلنا ان يضع حداً لمعاناة البشر مع البرد والجوع و قرر (بروميثيوس)
ان يسرق لاول مرة فى حياته .. حيث تسلل الى جبل الاوليمب وقبس جزءاً من النار ثم
نزل بها الى الارض وهناك وضعها للناس فى معبد كبير وهناك فتاة عذراء تعتني بالنار
وتؤججها كلما خبا لهيبها ويحرم على اى
مواطن ان يحتفظ بها فى داره فقد ياخذ منها ما يريد ثم يطفئها .
وبذلك العمل البطولي - الاجرامي في
نظر سادة الاوليمب - تجاوز (بروميثيوس) كل الحدود وقرر مجلس ادارة الاوليمب ان
لابد من عقابه بصرامة .
وكان اكثر المتحمسين للعقاب هو
(زيوس) نفسه .. لانه قد بالغ فى الثقه ب(بروميثيوس) ولذلك كان يشعر بالخذلان مما
جعل عقابه شديداً ..
وبالفعل كان العقاب شديداً ورهيباً
بحق ..
فقد قرر (زيوس) ان يؤخذ (بروميثيوس)
الى جبل (القوقاز) حيث تم ربطه بين جبلين .. وتم تكليف طائر الرخ العملاق بأن
يهاجمه كل يوم ليأكل كبده فإذا جن الليل نبت له كبد جديد، وهكذا في دائرة مريعة من
الالم تتجدد كل يوم ولم يقطعها الا قدوم (هرقل) فى احدى مهماته وقرر ان يتدخل فقام
بقتل الرخ وحرر (بروميثيوس) وتركه .
لحظة من فضلكم ..
إن اسطورتنا لم تنتهي بعد .. بل هي
في الواقع قد بدأت .. وكل ماسبق ذكره ما هو الا مقدمة بسيطة لتوضيح بعض الاشياء ..
والان لنعد للاسطورة ..
اين وصلنا ..
نعم ..
عاد (بروميثيوس) الى البشر فهلل
القوم فرحين بينما كان (زيوس) يشتعل غضباً وقرر ان ينتقم للمره الثانية .
وحتى لا انسى يجب ان اوضح ان الاسطورة
تقول ان البشر الموجودين على الارض جميعاً من الرجال .. هكذا قرر (زيوس) ان ينتقم
من (بروميثيوس) عن طريق ارسال هدية من نوع جديد ..
(المرأة) ..
تقول الاسطورة الوثنية
ان (زيوس) كلف (فولكان) - إله
الصناعة - بصنع المرأه الاولى، وتم استدعاء سادة الاوليمب الاخرين لتقديم هداياهم
للانثى الاولى، فقبلتها (فينوس) - الهة الجمال - ومنحتها الجمال والحب، اما
(مينرفا) فقد منحتها بعض الذكاء، ثم الهمتها (لاتونا) ان يكون لها قلب كلب ونفس لص
وعقل ثعلب - مع اعتذاراتى الحارة للقارئات ولكن هذا ما تقوله الاسطورة - لكن ماهو
الاسم الذى سيمنح لتلك المخلوقة الحسناء ..
انها منحت كل العطايا الممكنة لذا
اطلقوا عليها اسم (التى منحت كل شئ) او (بان - دورا) .
وتنزل (باندورا) الى الارض فتثير
صخباً، وبالطبع تلقى شباكها حول (بروميثيوس) لكن الرجل الذي لاقى الاهوال في
الماضي لم يكن يلقى لها بالاً وفي الواقع هو كان يشم رائحة خدعة ما فى الامر، و هكذا
قرر ان يتجاهلها .. ولكن شاءت الاقدار ان يقع (ابيميثيوس) شقيق (بروميثيوس) فى حب
(باندورا) واصر ان يتزوجها .. ولم يمانع (زيوس) لان خطته لا تشترط ان يتزوجها
(بروميثيوس) لكي تنجح .. وذلك لان العقاب المروع لن يقتصر على (بروميثيوس) وحده
هذه المرة .. بل سيصيب كل البشر بلا إستثناء .
وهنا جاء الجزء الثانى من الخدعة ..
فقد ارسل (زيوس) مبعوثه (هرمز) ليحمل هديه للزوجين السعيدين هذه الهدية هى صندوق
مغلق .. مع شرط بعدم فتحه ابداً .
واذعن (ابيثيموس) لهذا الامر و رفض
ان يفتح الصندوق .. لكن زوجته الحسناء (باندورا) اخذت تلح عليه ان يفعل، فربما
يكون بداخله شئ ذو قيمة كبيرة ..
ومرت الايام و لغزذلك الصندوق لا
يفارق خيال (باندورا) التي لم تكن تعلم الغرض الحقيقي لصنعها ونزولها للارض ..
إن هناك اصواتاً تناديها من داخل
الصندوق، اصواتاً تعدها بالسعادة المطلقة ، لقد صارت حياتها جحيماً وهى تجلس ليلاً
ونهاراً جوار الصندوق وتتخيل ما يحتويه ..
لقد كان الفضول يمزقها كأى انثى اخرى
.
فى النهاية انتصر الفضول على الخوف
في نفس (باندورا) لتنتهز فرصة غياب زوجها وقامت
بفتح الصندوق ....
فجأه اظلم العالم، وخرجت ارواح شريرة من الصندوق
.. ارواح يحمل كلاً منها اسم مخيف مثل (النفاق) (المرض) (الجوع) (الفقر) ، وراحت المسكينة تحاول اغلاق الصندوق لكن
محاولتها باءت بالفشل .. وفى النهاية اغلقت الصندوق بالفعل .. لكن كان الاوان قد
فات .. فقد حدثت الكارثة وانتهى كل شئ ..
تحولت حياة البشر الى جحيم وبدأت النزاعات
والاوبئة والعادات السيئة تتفشى بينهم ليغدو المجتمع فوضوياً .. وانهارت كل جهود
(بروميثيوس) التي بذلها لجعل حياة البشر سعيدة .. و تحولت الجنة الجميلة تحولت الى
جحيم حقيقى سيعيشون فيه الى الابد .
لم تكن (باندورا) شريرة لكنها
استجابت لطبيعتها الانثوية كامرأة .. فلو لم تفتح (باندورا) الصندوق لكان البشر
يعيشون الان فى جنة حقيقية حسب رأى الاساطير الاغريقية .
الخلاصة
القصة كلها عبارة عن درس فلسفى رائع
عن طبيعة المرأة الشغوف بالجديد، وعن عاقبة الفضول وعن حدود العلم البشرى .
فكل شخص دنا من الحقيقة اكثر من
اللازم نال عقاباً صارماً ..
(ايكاروس) حاول الطيران لكنه اقترب
من الشمس اكثر من اللازم فذابت اجنحته الشمعية .. و(بروميثيوس) سرق المعرفة - النار -فعذبه
الرخ وارسلت (باندورا) وصندوقها الى الارض .
كل ما ورد سابقاً هو عباره عن قصة
خرافية استخدمها الانسان البدائي مع الكثير من الاساطير الاخري لتفسير الظواهر
الكونية او الطباع البشرية بغرض العظة للاجيال القادمة .
ان (زيوس) محاوله لتفسير اسرار الكون
، لاوجود ل(زيوس) لكن اسرار الكون باقيه كما هى فقد اعتقد الاغريق ان البرق سهم فى
جعبة (زيوس) .. وان الشمس هى شعله فى يد (ابوللو) - اله الشمس - اليوم نحن نؤمن ان ((الله)) عز وجل خلق
الظواهر الاستاتيكيه والفيزيائيه التى ادت الى انبعاث الكهرباء التى هى البرق وان
الشمس هى نجم مضئ تدور الارض حوله .
لقد كف البشر عن الاعتقاد ب(زيوس)
و(ابوللو) .. لكن البرق والشمس مازالا موجودين ، لم لا تكون قصة (باندورا) هذه
مجرد محاوله لتفسير او لبيان عاقبة الفضول البشري .
إرسال تعليق
شارك بالنقاش عبر كتابة تعليقك